عمالقة الطب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عمالقة الطب

ابداع العمالقة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ليلة العاصفة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المدير العام



عدد المساهمات : 404
تاريخ التسجيل : 25/04/2011
العمر : 44
الموقع : أم الدنيا

ليلة العاصفة  Empty
مُساهمةموضوع: ليلة العاصفة    ليلة العاصفة  Icon_minitimeالجمعة 20 مايو 2011, 6:59 pm

ليلة العاصفة
لم يكن يخطر على باله انه فى هذه الليلة العاصفة سيرى امه التى توفيت منذ عام.
كان سنة فى ذلك الوقت نحو اثنى عشر عاما عندما كان عائدا سيرا على الاقدام من المدينة الى قريته
الصغيرة التى تبعد عن المدينة نحو ستة كيلومترات .. وعلى جانبى الطريق تمتد حقول ينبعث منها عواء الذئاب
وهو يخترق الظلام فى ليلة من ليالى يناير فيرتجف خوفا وبردا.
تتراءى له اشباح مختلطة بصورة العروس والعريس وهما جالسان.
وضجة الموسيقى واصوات المعازيم مازالت ترن فى اذنه
اخذ يلوم نفسه على استجابته لاغراء صديقه الذى طلب منه ان يحضر فرح اخته بعد انتهاء اليوم المدرسى
فكان هذا سبب بقائه فى المدينة حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل


بدا له الطريق طويلا لايرد ان ينتهى وكأنه يلتف حول الكرة الارضية
فى كل لحظة يتوقع خروج ذئب من الحقول يعترض طريقه ويتصور نفسه بين انياب الذئاب


لم يكن الجو فى ذلك اليوم ينبىء بعاصفة ولكن فى فترة قصيرة تلبدت السماء بالغيوم
وبدا الرعد يهدر والامطار تهطل والبرق يلمع فينير الطريق والحقول لحظات خاطفة
وكأن السماء تلتقط صورة لهذا المكان ثم يعود الظلام احلك مما كان


اشتد خوف حمدى فوجد نفسه يبكى
احذ يبحث حوله عن مكان يلوذ به هربا من المطر والبرق
واذا به يرى بالقرب من الطريق الزراعى بيتا من طابقين لا يذكر انه راه من قبل
على الرغم مروره فى هذا الطريق مئات المرات
يبدو غريبا غير مالوف فهو يشبه المنازل التى يرى صورتها فى كتاب المطالعة الانجليزية
وينبعث من نوافذه ضوء اصفر
وراى امام البيت شجرة ضخمة شامخة وكأنها تتحدى العاصفة العاتية وتتولى حراسة المنزل
اسرع الى ذلك البيت وطرق بابه
بعد نحو دقيقة فتح الباب واطلت منه امرأة ترتدى ثوبا طويلا ابيض يكاد يلمس الارض وفى يدها مصباح رفعته الى اعلى لترى وجه هذا الطارق
القى بنفسه فى احضان تلك المرأة قائلا:
ماما؟!! هل تعيشين هنا وحدك ونحن نعتقد انك .....
لماذا تركتنا؟؟


قالت المرأة وقد بدا انها لا تعرفه:
_ ادخل ,انت ترتعش من البرد


دخل خائفا يتلفت متاملا محتويات ذلك البيت العجيب,فى البهو توجد مدفأة يرقص فيها اللهب فيبدو جو البيت مريحا دافئا لا يمت بأيه صلة للجو البارد العابس فى الخارج.


_ اجلس وساذهب لاعمل لك فنجانا من الشاى يدفئك.


جلس وعيناه ما زالتا تدوران فى انحاء البهو, انه لم ير منزلا كهذا فى حياته . وقف واستمر يستكشف المكان


لفتت نظره صورة فى اطار انيق موضوعة على حافه المدفأه.


لم يصدق عينيه


انها صورته ولكنها ليست صورته فى هذه السن, بل فى نحو العشرين من عمره
ملامحها تشبه ملامحه تمام الشبه على الرغم من فارق السن, ولا يمكن ان تكون صورة انسان غيره
لم ير المرأة عندما عادت تحمل صينية الشاى اذ كان مستغرقا فى تأمل الصورة
سمع صوت الصينية وهى توضع على المنضدة فانتفض خوفا والتفت الى المرأة وقال وفى صوته دهشة:
هذه صورتى !
اكتسى وجه المرأة بالحزن وقالت:
_انها صورة ابنى حمدى !
_ انا حمدى وهذه صورتى !
لمعت عياناها وبدا وكأنهما تنظران الى لا شىء وقالت :
_ حمدى ابنى مات.
_ ولكننى لم امت,هأنذا امامك.
قالت وكأنها لم تسمع حديثه:
_ مات حمدى ابنى يوم عيد ميلاده الثلاثين .
كانت الساعة تدق . دقت اثنتى عشرة دقة . ما زالت دقاتها فى تلك الليلة ترن فى اذنى , اذكرها وكأنها بالامس
وبعد اخر دقة سقط ميتا ودمعت عيناها فمسحت دموعها بطرف اصبعها
_ اشرب الشاى قبل ان يبرد
اخذ يستحى الشاى شارد اللب


اخرجه من ذهوله صوت المرأة عندما قالت:
_ هل شعرت بالدفء الان؟
_ نعم, اشعر الان بالدفء
_ ولماذا ترتعد اذن؟
_انا خائف.
_ مم تخاف؟ لا يوجد هنا ما يخيف. ملابسك مبتلة. ساجففها لك. تعال هنا جنب المدفأة
جلس جنب المدفأة. خلعت معطفه واخذته لتجففه . بجوار السلم الداخلى المصنوع من الخشب الفاخر والذى يؤدى الى الدور العلوى. راى صورة اخرى. انها صورة اخته ليلى بملابس الزفاف وبجوارها ضابط فى الجيش.
اقبلت المرأة وفى يدها المعطف. هم بارتدائه ولكنها قالت:
_ لا تلبسه الان, البسه عندما تخرج.
تعجب من تمكنها من تجفيف المعطف فى هذه الفترة الوجيزة وضع المعطف على حافة الكرسى واستمر يتأمل صورة اخته ليلى التى تصغره بخمسه اعوام.
قال بعد تردد:
_ هذه صوره اختى. كيف حصلت على هذه الصورة؟ ومن هذا الواقف معها؟
_ هذه صورة زفاف ابنتى ليلى , والواقف بجوارها هو عريسها .
_ ولكن ليلى اختى ما زالت فى السابعة من عمرها.
قالت وكأنها لم تسمع حديثه:
_ كان زوجها ضابطا فى الجيش. ماتت يوم زفافها. ذكرتنى بأشياء كثيرة حزينة لم أكن احب ان اتذكرها.
_ انا متأسف, لم اكن اقصد ان اسبب لك اى حزن . وماذا حدث لابنك حمدى قبل ان يموت؟
_ كان ترتيبه الأول على جميع تلاميذ القطر المصرى فى الشهادة الثانوية.
نسى الموت وهزته الفرحة .فقال بدهشة:
_ الاول على القطر المصرى ؟!
_ اجل , ونشرت صورته فى جميع الصحف
_ وماذا حدث غير ذلك؟
_ فى عيد ميلاده الخامس والعشرين انقلب به القطار ولكنه نجا, يومها قلت ان عمره طويل, ولكن عمره لم يطل , لم اكن اتصور انه بعد خمس سنوات من هذا الحادث ستنتهى حياته على غير انتظار.
_ وكيف مات؟
_ كان يجرى عملية جراحية لطفل صغير , وعندما سقط ميتا .. مات الطفل
_ كان طبيبا إذن .
_ كان جراحا , وكان سعيدا بقرب حصوله على درجة مدرس بكلية الطب , ولكن القدر لم يمهله.
_ وكيف ماتت ليلى؟
اشارت نحو الصورة وقالت :
_ انظر كم كانت جميلة؟ فى الثامنة من عمرها وقعت فى الساقية وكانت على وشك الغرق لكنهم انقذوها. وفى نحو التاسعة سقطت وهى تهبط السلم وكسرت عظمة من عظامها باسفل العنق ثم شفيت . وفى نحو العشرين خطبها ضابط فى الجيش وسيم , وبعد اتمام الزفاف والتقاط هذه الصورة استقلا معا السيارة, ولا أذكر ماذا كانت وجهتهما , وفى الطريق اصطدمت السيارة ولا أذكر كيف اصطدمت , هذا الحادث يبدو وكأن الضباب يلتف به فى ذاكرتى فلا اتذكر تفاصيله جيدا, ولكن الذى اذكره انها هى وعريسها توفيا على الفور فى ذلك الحادث.
شعر برعب شديد يفوق خوفه من البرق والظلام والذئاب, وفكر فى الهرب من ذلك البيت . نظر الى ساعته ثم وضعها على أذنه فلم يسمع دقاتها . قال :
_ ساعتى توقفت . كم الساعة الأن؟
_ لست ادرى. لا توجد ساعة فى هذا البيت.
قام وشرع فى ارتداء معطفه فسألته:
_ الى اين انت ذاهب؟
_ يخيل لى ان العاصفة هدأت , سأعود الى بيتى .
اعترضت طريقه قائله فى حزم :
لا , لن اتركك تسير فى هذا الجو العاصف . ستبيت عندى هنا حتى الصباح
_ لا يمكننى ان ابيت خارج منزلى.
_ انت هنا فى بيتك , لست غريبا عنه
_ لا , بيتى فى البر الاخر من الترعة حيث يوجد ابى واختى ليلى.
_ سأذهب لأحضر لك ملابس النوم.
اختفت داخل المنزل وجلس مذهولا لا يدرى ماذا يفعل , ثم عادت ومعها ملابس للنوم.
_ من اين احضرت هذه الملابس؟ انها تشبه ملابس نومى التى فى بيتى , وما دامت تعيشن وحيدة فى هذا البيت, فلماذا تحتفظين فيه بمثل هذه الملابس ؟!
_ فيم تفكر ؟ تعال معى؟
سحبته من يده برفق واتجهت به داخل المنزل , فتحت غرفة يضيئها مصباح قوى بها سرير مفروش فرشا نظيفا ودولاب وكرسى ومنضدة . وقالت:
_ ستبيت فى هذه الغرفة وتؤنس وحدتى الليلة.
_ ولماذا لا تحضرين لنعيش معا كما كنا ؟ لماذا تركتنا وتعيشين هنا وحدك ؟
لم تجب على سؤاله. تركت الغرفة واغلقت الباب ووجد نفسه بمفرده فازداد شعوره بالخوف. على جدار الحجرة وجد صورتين اخريين
صورة له فى نحو العاشرة وصورة لاخته ليلى فى نحو الخامسة, وعلى جدار اخر وجد نتيجة عليها تاريخ اليوم, انه الرابع والعشرون من شهر يناير عام 1980 . أخذ يقلب فى اوراق النتيجة وتحقق من صحة هذه الارقام.
شىء عجيب! عام 1980 ونحن الان فى عام 1953. هل هذا معقول !
لابد ان استفسر من امى عن معنى هذه الالغاز.
انا خائف. إن عينى اختى ليلى فى الصورة تنظران نحوى أينما سرت. لن يغمض لى جفن حتى الصباح لو بقيت بهذه الغرفة.
فتح باب الحجرة فتحه ضيقة وأطل منها, فدخل الظلام من الباب وغمر الغرفة , دفعه الخوف لأن يصرخ باعلى صوته قائلا:
_ ماما.ماما.ماما.
وأخذ يسير فى انحاء البيت المظلم صائحا:
_ ماما.ماما .
لم يسمع استجابه لصياحه . كان مستوى الجزء من البيت الذى فيه غرفة نومه اعلى من مستوى البهو بمقدار سلمتين.
عندما فتح عينيه وجد نفسه فى سريره بمنزله وبجواره ابوه وأخته ورجل غريب لا يعرفه وطفلة فى مثل سنه تدعى سامية كان يلعب معها دائما , والدادة التى بقيت معهم بعد وفاة الأم . قال الرجل الغريب:
_ الحمد لله , بدأ يفيق


قال حمدى :
_ اين انا؟؟

قال الأب: فى بيتك ظللنا نبحث عنك فى كل مكان ووجدناك ملقى فى الطين على حافه الطريق جنب أحد الحقول
والمطر ينهمر فوقك.
قال حمدى :
_ انا كنت فى بيت اخر على الطريق الزراعى وجدت فيه ماما .
ماما لم تمت , انها تعيش وحدها هناك.
انخرط فى البكاء , فبكت الطفلة سامية
قال موجها حديثه لابيه:
_ لماذا تركت ماما تعيش هناك وحدها؟
اطرق الأب حزينا , ووضع الطبيب الترمومتر فى فم حمدى.
وجد حرارته مرتفعة . فحص تجويف الفم والحلق , وانحنى,
وبدأ ينصت الى الاصوات التى ينقلها المسماع من منطقة صدر حمدى, ثم قال مخاطبا الأب:
_ انه يهذى من تأثير ارتفاع الحرارة, فهو مصاب بالتهاب رئوى , وتلزمه راحة تامة وعناية شديدة ومواظبة على تناول الادوية فى المواعيد المذكورة فى تذكرة العلاج
قال حمدى:
اين ماما؟ اريد ان ارى ماما.
قال الأب : عندما وجدناك ملقى فى الطين كنت تهذى وتردد كلمة ((ماما))
_ لم اكن اهذى . لقد رأيت وسمعت اشياء كثيرة فى هذا البيت الذى تعيش فيه ماما
قال الطبيب: لابد انك كنت تحلم
قال باصرار:
_ لم أكن احلم, هل يحلم الانسان وهو سائر فى الطريق؟
لقد رأيت ماما . حدثتها وحدثتنى . انها تعيش فى بيت لا توجد حوله بيوت وامامه شجرة كبيرة.
كان أول ما فعله أبوه عندما تماثل حمدى للشفاء ان لفه فى بطانية وحمله فى العربة التى يجرها حصان هزيل واتجه فى الطريق الزراعى نحو المكان الذى ذكره حمدى ليثبت له عدم وجود ذلك البيت.
وعندما وصل الى البقعة التى وصفها حمدى , امر الأب سائق العربة بالتوقف.
نظر حمدى فلم يجد أثرا للمنزل, ولكنه وجد الشجرة كما رأها تماما فى تلك الليلة, وفى المكان الذى كان يشغله
وجد ساقية تدور وبجوارها فلاح شاب

قال الأب : ها هو ذا الطريق ولا يوجد اى أثر للبيت الذى ذكرته . اتأكدت الان من أن كل ما رأيته فى ابك الليلة
لم يكن سوى اوهام؟
_ لا لم يكن وهما , لقد رأيت البيت وجلست فيه ورأيت ماما , وهذه الشجره هى نفسها التى رأيتها امام البيت.
لم يشأ حمدى ان يذكر شيئا عما راه وسمعه فى ذلك البيت ليلة العاصفة . بل اثر ان يطويه فى اعماق نفسه

مع مرور الايام كاد ينسى ما حدث, ولكن بعد نحو عام , فى عصر أحد الايام كان جالسا فى بيته وسمع ضجة تقترب
اسرع بالخروج فرأى عددا من الفلاحين مقبلين
وقد حمل احدهم اخته ليلى التى كانت تبكى وقد بلل الماء ثيابها
سأل حمدى بلهفة
_ مالها ليلى؟
قال الفلاح الذى يحملها
_ وقعت فى الساقية واخرجناها . كانت ستغرق
اعاد هذا الحادث الى ذاكرة حمدى كل ما حدث فى ليلة العاصفة بكل تفاصيله , ورن فى اذنه صوت امه عندما قالت:
_ فى الثامنه من عمرها وقعت فى ساقية وكانت على وشك الغرق ولكنهم انقذوها
اصبح عصبى المزاج , يخشى مرور الايام , تكثر فى احلامه الكوابيس
وبدأ يشعر بعطف شديد على اخته ليلى محاولا اسعادها على قدر طاقته
بعد نحو عام كانت ليلى تطارد اوزة فوق السلم
فزلت قدمها وتدحرجت بضع درجات وكسرت عظمة الترقوة
واستغرق التئامها نحو ستة اسابيع
ازداد اكتئاب حمدى وامعن فى عزلته وأصبح دائم التفكير فى الموت


اتم حمدى امتحان الثانوية العامة وكان كلما ساله والده عن الامتحان يجيب اجابة لا تتغير
_ لا بأس
_ هل تتوقع مجموعا يسمح بدخولك كلية الطب التى تتمنى الالتحاق بها؟
_ لست ادرى . لم يعد يهمنى دخول كلية الطب او غيرها من الكليات .
_ ماذا جرى لك ؟ هل فقدت الرغبة فى التفوق؟
_ لم يعد فى الحياة ما يثير اهتمامى .
_ يخيل الى ان فى صدرك سرا لا تود ان تبوح به لماذا لا تطلعنى على اسرارك كما اعتدت دائما فقد استطيع مساعدتك؟
هل توجد مشكلة فى حياتك؟
_ المشكلة ليست فى حياتى , بل فى وفاتى
_ ماذا تعنى بهذا؟
_ لا شىء , انها مجرد كلمات لا معنى لها
_ لا احب ان اسمع منك مثل هذا الكلام , فانت ابنى الوحيد وحياتك استمرار لحياتى
_ حياتى ليست استمرار لحياة احد , واذا كانت حياتى استمرار لحياتك كما تقول فلن اجد انا استمرار لحياتى
_ اسمع منك فى هذه الايام اشياء كثيرة غريبة غير مفهومة
ما معنى هذا؟ انا اعلم سبب هذه الافكار العجيبة
لا تشغل بالك , سنذهب اليوم معا الى منزل سامية ولا مانع لدى من ان اخطبها لك رسميا ليستريح بالك
_ انا لا اريد ان اخطبها او اخطب غيرها , لن اتزوج
أخذ يبعد عن ذهنه فكرة الزواج لاعتقاده ان حياته لن تمتد اكثر من ثلاثين عاما , وهو لا يريد لسامية ولا غيرها ان تترمل فى هذه السن

فى هذه اللحظة سمعا طرقات سريعة على الباب اسرع حمدى وفتح الباب واذا بمن يبشره بنجاحه
_ مبروك يا حمدى , انت الاول على القطر

اختطف حمدى الصحيفة , فوجد صورته واسمه وانه اول الثانوية العامة القسم العلمى
شعر وكأنه يقرأ خبر نعيه
اسرع الاب وقرا النبأ واعاد قراءته
وصلت الضجة الى مسامع ليلى فاقبلت تعدو. اختطفت الصحيفة وقرأت النبأ ورأت صورة حمدى وقبلته قائلة:
الاول على القطر المصرى ؟ الف مبروك
اطلقت الدادة زغرودة , على انغامها رنت فى اذن حمدى كلمات امه فى ليلة العاصفة عندما قالت :
_ كان ترتيبه الاول فى الشهادة الثانوية على جميع تلاميذ القطر المصرى
فاحتقن وجهه وبدأ وكانه يقاوم رغبه فى البكاء, ثم انفجر يبكى بصوت مسموع
والاب وكل من فى الغرفة مذهولون
قالت ليلى :
_ هل هو بكاء الفرح؟
قال حمدى وهو يهم بالخروج من الغرفة وقد القى بالصحيفة على الارض:
_ بل هو بكاء الموت !
خرج من الغرفة وترك الجميع مشدوهين لا يعرفون سر بكائه ولا يدرون ماذا يفعلون
رفض الالتحاق بكلية الطب وصمم على الالتحاق بكلية العلوم ولكنه علم ان سامية قررت الالتحاق بكلية الطب
فاقنع نفسه بأن الانسان لا يمكنه ان يهرب من قدره.
فالتحق بكلية الطب بجامعة القاهرة
وفى اثناء الدراسة الاعدادية تنبأ له احد المعيدين عندما شاهد تشريحه للجهاز الشريانى للضفدعة بأنه سيصبح جراحا عظيما
فاطرق نحو الارض حزينا
حصل على بكالوريوس الطب والجراحة بتقدير ممتاز بدرجة الشرف واصبح طبى امتياز ثم معيدا بقسم الجراحة العامة
وبينما هو مسافر الى القاهرة
عقب حضوره لزيارة اهله
تذكر ان اليوم هو عيد ميلاده الخامس والعشرون
وزن فى اذنه صوت امه :
_ فى عيد ميلاده الخامس والعشرين انقلب به القطار
شعر بخوف شديد والقطار منطلق بأقصى سرعته وكأنه مندفع نحو هاوية
فكر فى ايقاف القطار أو القفز من النافذه وصاح باعلى صوته قائلا:
_ اوقفوا القطار . القطار سينقلب
نظر اليه الركاب نظرات مريبة. كانت بعض النظرات قاسية والبعض فيها عطف ورثاء لحاله
لم يعبأ بتلك النظرات بل صاح مرة اخرى قائلا :
_ صدقونى . اعملوا اى شىء . اوقفوا القطار . القطار سيقع من فوق القضبان
صاح احد الركاب قائلا:
_ اجلس يا غراب البين . من ادراك ان القطار سينقلب؟


فى هذه اللحظة اهتز القطار هزة عنيفة , فارتفع صراخ الركاب وفى مثل لمح البصر حدثت الكارثة
سقطت العربات وتصادمت مع بعضها , ولكن لم يصب حمدى بسوء . كانت عربته قد مالت على جنبها وارتكزت على عربة اخرى انقلبت على جانبها الايسر فاخذ حقيبته وقفز من القطار.
هاله عدد الضحايا فاستبد به الفزع ثم تلاشى الخوف وتحول الى لا مبالاة , ثم شعر باكتئاب يشبه الذى كان ينتابه عندما يدخل مشرحة الكلية
ذعرت ليلى عندما رأته عائدا الى البيت كالمذهول وبدلته ملوثة بالتراب
سألته بلهفة:
_ ماذا حدث؟
_ لا شىء . القطار انقلب.!
القى بحقيبته فى احد اركان الغرفة وجلس مطرقا للأرض وقد خبأ وجه بيديه , بينما اسرعت اليه اخته تتحسس جسده لتطمئن عليه ثم انطلقت تعدو خارج البيت باحثة عن ابيها لتخبره
ازدات رغبة حمدى فى العزلة ومنذ ذلك اليوم , واصبح يحسب الايام الباقية له على ظهر الدنيا , ويهيء نفسه لرحلته الاخيرة محاولا التقليل من شأن الحياة استعدادا لملاقاة الموت
لم يعد يجد ما يستحق الحزن او الفرح والايام تمضى وكأنها قطار بلا فرامل منطلق بأقصى سرعته نحو مكان مجهول .
بعد نحو عام وصله خطاب من والده يخبره بأن اخته ليلى تقدم لخطبتها مهندس شاب يعمل فى احدى الشركات وانهم وافقوا مبدئيا , وسوف يقيمون حفلا للخطبة فى موعد يحدد قريبا .
فرح فرحا شديدا بهذا الخطاب , بدأت الاحداث تختلف عما سمعه من والدته ليلة العاصفة
كان المفروض ان تتزوج اخته من ضابط فى الجيش ولكن ها هى ذى تخطب لمهندس
اذن من المحتمل ان لا تتحقق باقى الاحداث
بدأ بشعر براحة نفسية لم يكن له عهد بها منذ اعوام طويلة
عندما رأى حمدى خطيب اخته يوم حفل الخطبة احتضنه وقبله وقال:
_ هل تعلم لماذا انا سعيد. فى منتهى السعادة؟
_ لماذا؟
_ لانك مهندس
تمت خطبة حمدى وسامية وتم ارجاء تحديد موعد القران الى الشهر القادم
ووافقت العائلتان على ذلك
عند عودة حمدى من القاهرة فوجىء باصبع ليلى قد خلا من دبلة الخطبة
قال:
_ ماذا حدث؟
_ فسخت الخطبة
_ لماذا ؟
قالت وهى مختنقة بالبكاء
_ اكتشفت انه انسان شرير ضيق الافق شديد الانانية لا يمكننى الحياة مع شخص مثله
_ لماذا ؟ انه يبدو انسانا مهذبا
_ ولكن فى اعماقه وحشا مفترسا
_ كيف؟
_ اختلفنا فى امور كثيرة . افكاره وطباعه لا تلائمنى
قال حمدى وقد بدأت تسرع دقات قلبه :
_ الم يكن من الممكن التغلب على هذه الخلافات ؟
_ لا تذكرنى به , لا اريد التحدث فى هذا الموضوع.
مسحت دموعها واسرعت بالخروج من الغرفة وتركت اخاها نهبا للحزن والقلق
لم يعد الظرف مناسبا للاتفاق على موعد عقد قران حمدى وسامية
ذهب حمدى الى بيتها وقص عليها رؤيته لامه فى ذلك المنزل العجيب ليلة العاصفة وما سمعه منها وما راه واختتم حديثه قائلا:
_ كانت امى فى تلك الليلة تبدو وكانها تعيش فى جزيرة منعزلة تسبق الزمن الذى نعيش فيه حيث ترى مستقبلنا وكأنه بالنسبه لها ماضِ
وقعت احداثه منذ زمن بعيد
ثم اخبرها بفسخ خطبة ليلى


قالت سامية: لماذا كل هذا الحزن؟ ان ليلى فى منتهى الجمال وفى مقتبل العمر واذا فقدت عريسا فسوف يخطبها عشرات غيره
حاول حمدى الابتسام فلم يستطع, قال:
_ المسالة اخطر من ذلك
_ كيف؟
_ الامر لا يخفى على ذكائك , لابد أنك تعلمين سر قلقى فأنت الوحيدة التى اطلعتك على اسرارى
_ هل تخشى ان يخطبها ضابط فى الجيش.
أطرق الى الارض ولزم الصمت
قالت:
_ لا تخف , لن يخطبها ضابط فى الجيش
_ كنت اظن ان النبوءات التى سمعتها من امى ليلة العاصفة قد بدأت تكذب وكان هذا سر سعادتى التى لم تدم طويلا
_ لاتحزن قبل الاوان, فلننتظر لنرى ماذا سيحدث
بدأ التفكير فى الموت يعود من جديد ليحتل ذهن حمدى بعد فسخ خطبه اخته
وبدت له فكرة الزواج مخاطرة غير محمودة العواقب
فاصبح ميالا لتأجيل عقد القران
قال لوالده : يخيل الى ان عقد القران الان قد يكون فيه جرح مشاعر ليلى
قال الاب وقد بدا غير مقتنع بمنطق حمدى:
_ كما تريد ولو اننى لا ارى ما يدعو لذلك
بعد نحو ثلاثة شهور ازداد حزن حمدى وقلقه عندما وصله تلغراف من والده يطلب منه الحضور ليشهد عقد قران ليلى على ضابط فى الجيش تقدم لخطبتها
لاحظ ان التلغراف مرسل منذ يومين, وان موعد عقد القران يوم وصول التلغراف الذى استلمه فى المساء
اسرع الى اقرب مكتب تليفون عام للتحدث مع والده
عندما اشار اليه الموظف بالذهاب الى الكبينة رقم 4
اندفع كالعاصفة واختطف السماعة وقال:
_ألو
_ سمع احدى السيدات تقول:
_ ألو من المتكلم؟
_ انا حمدى من القاهرة , اريد التحدث مع والدى بسرعة
بعد نحو دقيقة مرت وكأنها ساعات سمع صوت والده يقول بلهفة
_ مالك يا حمدى؟ لماذا لم تحضر؟ هل انت بخير؟
_ لا لست بخير وصلنى تلغرافك اليوم وعرفت منه ان ليلى سيعقد قرانها الليلة على ضابط فى الجيش هل هذا صحيح
_ طبعا صحيح كما اخبرتك فى التلغراف
انفجر حمدى كالبركان صائحا:
_هذا الزواج يجب ان ألا يتم
ذهل الاب فلم يدر ما يقول وظل صامتا نحو نصف دقيقة ثم قال:
_ ما هذا الذى تقوله؟ هل تعلم شيئا عن هذا العريس؟
_ لا اعلم سوى أنه ضابط فى الجيش !
_ وما عيب الضابط فى الجيش ؟
قال بصوت مختنق بالبكاء:
_ انها مسألة حياة او موت!
_ انا لا افهم شيئا . ما علاقة هذا بالحياة والموت؟ لقد تم عقد القران
ترك حمدى السماعة مدلاه تتحرك كبندول الساعة ووالده يصيح قائلا: الو.. الو
دون ان يسمع اى رد من ابنه
وصوت الزغاريد يختلط بصوت الاب الحائر المذهول الملهوف الذى بدا مكتئبا شارد الذهن
سأله العريس:
_ مالك يا عمى؟ هل تشكو من شىء؟
_ انا غير مطمئن على حمدى ابنى , اتصل بى الان تليفونيا من القاهرة , انه فى حالة غير طبيعية
, يقول كلاما غريبا ويبكى
_ كان من المفروض ان نسافر انا وليلى الى القاهرة غدا , نسافر الليلة واطمئنكم عليه.
فى هذه اللحظة وصل المصور فوقف العريس بجوار عروسه والتقط لهما ثلاث صور
ثم استقل العريس سيارته بصحبة عروسه وانطلق بها نحو القاهرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://egymedgiants.forumegypt.net
 
ليلة العاصفة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  موعدنا مع فوازير الجميلة و الرائعة " ألف ليلة و ليلة " مع الجميلة شريهان فى رمضان 1987 روابط مباشرة و على اكتر من سيرفر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عمالقة الطب :: عمالقة الثقافة والأدب :: الروايات والقصص-
انتقل الى: